لم أبحث لهذه الأسئلة عن جواب, فـ " الأجوبة عمياء, وحدها الأسئلة ترى".

تلك القطة التي كنت في طفولتي أطعمها, وأحنو عليها, وأجلسها في حجري وأنا أطالع كتبي المدرسية, ثم أصبحت فجأة شرسة, ترفض أن أحملها أو أمرر يدي عليها.
ذات يوم, وقد تركت آثار مخالبها على يدي, نهرتني جدتي, وأمرتني أن أتركها وشأنها, لأنها حبلى ولا تحب أن يقربها أحد. فبكيت لأنني أدركت أنه في يوم ما سيصبح لها صغارا حقيقيون, وستتخلى عني
.
بعد ذلك رأيتها ترضعهم, تلعقهم, تتفقدهم واحدا واحدا . وعلى كثرتهم لا تفرط في واحد منهم, وتظل تبحث عنه لتعود به محمولا من عنقه بين فكيها
.
اليتم, كالعقم, يجعلك تغار من حيوان, وتطالب الله بحق التساوي به مادمت أحد مخلوقاته
.
أسئلتي الوجودية بدأت مع القطة: كيف تستطيع القطة أن تحمل صغيرها بين أنيابها من دون أن تؤذيه؟ وهل حقا هي تخفي صغارها عن أبيهم الذي يحدث عندما يجوع أن يأكلهم؟ وهل الآباء جميعهم قساة وغير مبالين؟ وهل ثمة قطط أكثر أمومة من نساء يحملن أثداء تذر اللبن وتضن بالرحمة؟

بعد ذلك, عندما كبرت, وخبرت يتم الأوطان, كبُرت" أسئلتى" وأصبحت أكثر وجعا:
هل يمكن لوطن أن يلحق بأبنائه أذى لا يلحقه حيوان بنسله؟ هل الثورات ، والإنقلابات ، وتسلط الحكام  أشرس من القطط في التهامها لأبنائها من غير جوع؟ وكيف لا تقبل قطة, مهما كثر صغارها, أن يبتعد أحدهم عنها , ولا ترتاح حتى ترضعهم وتجمعهم حولها, بينما يرمي وطن أولاده إلى المنافي والشتات غير معني بأمرهم؟ وهل في طمر أوساخهم تحت التراب, هي أكثر حياء من رجال يعرضون بدون خجل, عار بطونهم المنتفخة بخميرة المال المنهوب؟

لم أبحث لهذه الأسئلة عن جواب, فـ " الأجوبة عمياء, وحدها الأسئلة ترى".

تعليقات

المشاركات الشائعة