البكائية الأخيرة
حين تتلبد السماء من حولي بالغيوم السوداء ، وتزأر الرياح والعواصف بمهجتي من كل حدب وصوب ، تصفر في داخلي ، تدخل أنصاف خاطري ؛ فأشهق ألما ووجعا كلما عصفت بي ذكراها التي تصهل في ذاكرتي حية ما ماتت .
أخذ عشقها الغابر يشدني بلجام الذكريات يدميني ...يجرني ...يذبحني من الوريد إلى الوريد ، يطرحني أسير الأشواق ، منهك القوى ، واهن الرجاء فيتوه مني السبيل والدليل ، تضيع من نفسي مفاتيح الأمل ، يتسرب الوقت من بين كفيّ، تسرب الرمال من بين أصابعي في قفار مديدة....
اليوم ركبت مطيتي أشد الرحال لذاك الصقيع الأليم .
مطيتي قدمان أدماهما الوجع وأرهقهما طول الأمد ، اليوم شاء لي القدر أن أزور مكاني الحزين .... ذكراها تملأ المكان .... روحها الشفيفة تحرك الأشياء ... عطره تعبق به الأزهار المتهالكة عند أطراف نافذة الروح .. طيفها النوراني يصدمني يعميني يخدرني ينشيني يؤلمني يوجعني .... ظمآن الحب أنا .... كانت ريان حياتي دليلي مهجتي كانت ولعي الشديد ... في برهة الشوق تأججت شمعة الحب الذائبة ، أنارت المكان الثكل لأستجدى الطيف ليلة عرسنا في لحظة تبديها شفافة الهيئة ، متلألئة الظهور... ابتسمت ابتسامة وجله ، شعرت بيدها تلامسنى وتعلو ضربات فؤادي المحروم ... أحداقها تنظران إلي لأرتوي من نورهما ، تحملاني في رحلة عجيبة ، يمر بها الوقت دونما إحساس ، كأن عقارب الساعة تجمدت جليدا عند أطراف الحياة ...صُهرت الدقائق عند سعير الجوى في قلوب متيمة في سماء الحب ... مرت نسمة دغدغت روحي لتصفعني رقتها بألم الواقع .... إنك الثكِلُ يا معذب القلب ... إنها لعنة الحب قد أصابتك ، فعود الى ذاتك ، مبلل الوجنات حزين القسمات .... مكان ليس فيه سوى الآثار وفتات الحب المعذب إنه طلل الهوى لدرب عاشق ملّ الانتظار ... تمنيت حينها لو أن الزمان يعود لأحملّه شوقي وولعي في هواها ... سرقته مني الأقدار .... نهبها المنون في يوم الوداع ...
تركتني عند أعتاب الفرح الممتنع ... هجرتني في دنيا الوجع ... أعاني ما أعاني من كبد حريق وقلب غريق .... هي الأقدار سبتني الحبيب والمعشوق لأغادر المكان ترافقني روحها في الليلة البكائية الأخيرة ...
ترافقني أينما حللت، ترعاني كملاك حارس ....
رحلت وأنا عابر سبيل ... تركت خلفي كل الشوق والحنين ، أحث الخطى مبتعداً ببقايا الروح مستعذباً عذاب الهوى .... وفي مذكراتي كتبت بحروف الألم ، وبحبر من وجع عميق :
أنا من ودعت حبي عند زوايا النفس المتردمة المكسورة .... أسى عنيف النسمات
في بكائية عاشق لفرحة مستباحة الروح
عند مقصلة الفراق المرير .
تعليقات
إرسال تعليق