واجبنا تجاه غزة

لكم الله يا أهل غزة! فما أن يلتئم لكم جرح إلا وجرح جديد يُفتح، ودماء جديدة تسفك،إستايل وبيوت تهدم، ونساء ترمل، وأطفال تيتم، فمن حين لآخر يعاود العدو الصهيوني العبث بأرواح أهلنا في غزة، ضاربًا بتنديدات رؤساء العرب والمسلمين -الناعمة- عرض الحائط، غير آبه بهمهمات مجتمع دولي أو بأمم متحد_2290ة (علينا)، هذا غير المضايقات اليومية والحصار الذي يعيشه الغزاويون منذ أعوام عدة، ولا مجيب لصرخات صغارهم وتوجعات ضعفائهم.8464861299237130

ففي تصعيد غريب يحمل كثيرًا من الدلالات والإشارات شنت قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 165 (مائة وخمس وستين) غارة جوية على قطاع غزة خلال الأيام الماضية، بدأتها باستهداف القائد أحمد الجعبري قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لتودع غزة بذلك واحدًا من أبرز رجالاتها، وبطلاً صنديدًا كم أذاق العدو الصهيوني الويلات، وكم فتّ في عضده وأنهك من قواه! وذلك في إطار عدوان واسع يستهدف قيادات المقاومة بالقطاع، وقد أسفرت هذه الغارات عن مقتل عدد آخر من أبناء غزة الصامدة المجاهدة، إضافة إلى تهدُّم العديد من المواقع والمنازل.البوماتى

عدوان غزة .. الأسباب والخلفيات
أما عن الأسباب والخلفيات الداعية لهذا العدوان الصهيوني، فيمكننا توقع بعضها بناء على قراءة المشهد السياسي الحالي، فللأمر أسباب عامة وأخرى تفصيلية، ويتمثل السبب العام في كون هذا العدوان جاء من أجل العدوان، فإسرائيل ليست في حاجة إلى ذريعة أو مبرر للاعتداء على أهل فلسطين، فيكفي أن تكون فلسطينيًّا ومسلمًا ليُعتدى عليك، وتُنتهك حرماتك، ويهدم بيتك، بل يسلب منك.Kods_Bawabt_Nor(1)

أما الأسباب التفصيلية الخاصة فتتمثل أولاً في محاولة الصهاينة لفت النظر عن الجرح السوري النازف دعمًا لبشار الأسد -الحليف الخفيّ- الذي طالما تغنَّى بأهازيج الممانعة والمقاومة، فثبت في الأخير أنه كان من أقوى الداعمين لهذا الكيان الغاشم الذي ما فتئ يوزع الجراحات على أهلنا في فلسطين، والنكبات والمكائد على المسلمين في كل مكان، فما يفعله الكيان الصهيوني هذه الأيام يأتي في إطار خطة كبيرة للتشغيب والتشويش على ما يحدث في سوريا، كنوعٍ من رد الجميل لجهود أسرة الأسد طيلة السنين الماضية في حفظ الأمن الإسرائيلي.

أما السبب الثاني لهذا العدوان فيتمثل في محاولة جسّ النبض العربي والإسلامي بعد ثورات "الربيع العربي" خاصة الموقف المصري، وتقييم ردود الأفعال تجاه هذا العدوان على كافة المستويات، دبلوماسيًّا وعسكريًّا وشعبيًّا.

وربما يكون الهدف من هذه الاعتداءات هو محاولة استثمارها في لعبة الانتخابات الإسرائيلية؛ لكي يعزز بها نتنياهو موقفه المتدهور، ليبين للناخب الإسرائيلي أن حكومته قوية وقادرة على المواجهة والردع، وهو الأمر الذي أشار إليه السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشئون فلسطين والأراضي العربية المحتلة، حيث اتهم رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجرّ المنطقة إلى مصير مجهول بالعدوان على غزة؛ من أجل خدمة أغراض انتخابية، ولفت انتباه العالم بعيدًا عن طلب فلسطين الحصول على وضع دولة غير عضو بالأمم المتحدة.

ومن هذه الأسباب محاولة إحراج الجانب المصري، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين والرئيس المصري، الذي طالما طالبت جماعته في السابق بمطالبات تصعيدية ضد الجانب الصهيوني، حيث توقع الجانب الإسرائيلي أن تغيِّر الجماعة من مواقفها، لكن موقف الرئيس محمد مرسي جاء حازمًا وقويًّا، حيث قرر مرسي سحب السفير المصري من تل أبيب، كما دعا إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي، وآخر لمجلس جامعة الدول العربية من أجل الرد على العدوان الإسرائيلي، كما قام باستدعاء السفير الإسرائيلي وسلمه رسالة احتجاج على هذا العدوان؛ ما أدى إلى إشادة الكثير من المحللين بهذا الرد ووصفوه بأنه رد قويّ وغير مسبوق، خصوصًا مع النظر إلى الظروف التي تمر بها مصر والمنطقة بشكل عام.

كذلك لا يمكن التغافل عن الهدف العسكري من هذه الغارات، حيث أرادت إسرائيل من هذه العملية إنهاك القوة العسكرية للكتائب المقاومة في غزة، والإتيان على البنى التحتية لآليات المقاومة عندها، خاصة فيما يتعلق بمسألة تطوير وصناعة الصواريخ قصيرة المدى، ويتبع الشأن العسكري استهداف القادة العسكريين أمثال القائد أحمد الجعبري رحمه الله، حيث يأتي هذا الفعل ضمن سياسة الاغتيالات التي تتبعها إسرائيل لتقليم أظافر المقاومة، وتعجيزها وتفريغها من القيادات البارزة.

واجبنا تجاه غزة
وأمام هذا العدوان وتلك الخلفيات علينا أن نتوحد لا أن نتفرق، وأن نجعل قضية غزة وفلسطين قضية أمة لا قضية جماعة أو رئيس، فلكل منا دور يستطيع أن يؤديه في هذه المرحلة، فعلى مستوى الشعوب عليها أن تضغط سياسيًّا على حكوماتها لتقديم الدعم الكامل لإخوتنا في غزة على كافة المستويات سياسيًّا ولوجستيًّا وماديًّا، أما الدعم العسكري فيتوقف على ظروف البلد وأحوالها، فمن الخطأ الدخول في حرب خاسرة، بل يجب الاستعداد وإعداد القوة التي نرهب بها أعداءنا.

ومن الواجب على الشعوب أيضًا الإكثار من الدعاء لأهلنا في غزة بالنصرة والعون من الله؛ فإن للدعاء أثر عجيب في تفريج الكرب وردّ الظلم والعدوان.

وعلى مثقفي الأمة وعلمائها ووسائل إعلامها التذكير بالمأساة الفلسطينية، وجرائم العدوان الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين ومقدساتنا هناك، وحث الشعوب على تقديم كافة أنواع الدعم لأهل فلسطين، حيث شاب هذا الأمر الكثير من اللغط والتشويه، حتى رأينا من بني جلدتنا وممن يتكلمون بلساننا من يستنكرون على بعض الأفراد والجماعات والدول تقديم العون لأهل غزة؛ بحجة أنهم يقتطعون من أقوات شعوبهم وضرائبهم لمساعدة من لا يستحق، ويقصدون بمن لا يستحق أهل غزة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ونعوذ بالله من النفاق وأهله!

وختامًا نقول: إن الإخوة في غزة هم الأقدر على فهم الموقف وتحليله ومعرفة وسائل الرد عليه وتداعيات ذلك؛ لذا على ساسة دولنا العربية والإسلامية التواصل مع المسئولين في غزة لمعرفة آرائهم حول سبل الدعم، وما هو مطلوب لمواجهة هذا العدوان.

ثم علينا ألاّ ننجرف بحماسة إلى أفعال تخدم مخططات أعدائنا، فما هاجمت إسرائيل غزة إلا لأهداف خبيثة، وعلى رأسها محاولة شق الصف الوطني والإسلامي، خاصة في مصر، وتقسيم المخلصين من أهلها بعد وحدتهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة