من لا يدفع يفقد مورد رزقه أو حياته.
النصف الأول من القرن العشرين يجسد بحق عهد سلطة القبضايات واضمحلال دولة القانون فى أمريكا، و التى كانت بالفعل تحكم بعض المدن الامريكية. كثير من تلك العصابات كانت تسيطر على تلك المدن اما بالقوة أو عن طريق استغلال القانون و استخدامه بشكل ملتو وقد وثقت السينما الامريكية لتلك الأحداث بشكل مكثف. أشهر العصابات كانت المافيا و زعيمها " آل كابون " و التى توسع نشاطها بعد ذلك حتى شمل كثير من بلدان العالم. النشاط الاجرامى لتلك العصابات شمل كل أوجه الحياة الاقتصادى و الاجتماعى، و الحياة التحتية. فرضت الأتاوات على المطاعم، مؤسسات الرياضة، مؤسسات التجارة......الخ كان من لا يدفع يفقد مورد رزقه أو حياته.
ذلك التاريخ البذئ ينهض من الركام مرة أخرى و يتجسد بشكل مشابه فى سودان اليوم هازئا على من كان يظن ان ذلك التاريخ قد مضى. صحيفة الميدان أوردت خبرا عن اجبار بائعات الشاى على ايجار الكراسى و ترابيز العمل من شخص واحد معين و فى حالة الرفض يتم اغلاق محلاتهن.
سمية احدى بائعات الشاى بمدينة امدرمان ذكرت (فى السابق كان هنالك شخصا يؤجر الكراسى باسعار معقولة جدا، عشرين كرسى 6 جنيه و سته ترابيز 4 جنيه) و كشفت بأن هنالك تاجر لديه علاقات قوية جدا مع الحكومة و اتفق معهم على أن يتاجر بهذه الكراسى و المقاعد، و ان يتم طرد التجار الآخرين من السوق ليخلو له الجو وحده، و أضافت(ان عملية بيع و تأجير الكراسى تتم بواسطة الشرطة، و يكونو حضورا اثناءها)!
و نبهت سمية الى انهن يدفعن رسوم النفايات و الدكاكين، اضافة الى ذلك لديهن مسئوليات أسرية و العام الدراسى على الابواب، وصفت سمية ما تقوم به المحلية بالبلطجة المحمية، و أضافت هذا الاسلوب سيكون خصما على عملنا فى السوق، و أشارات الى ارتفاع أسعار المواد و الحاجات الضرورية انعكست سلبا على عملهم و أصبح العائد المادى ضعيفاجدا، لا يكفى حتى قوت اليوم العادى)..
أضافت (ان تجار الكراسى السابقين أكثر رحمة من الحالى، منبهة ان السابق ان كان السوق سئ العائد بامكانه ان يصبر يوم أو أكثر و لكن الحالى يؤجر بحضور البوليس، واذا كان العائد بسيطا سيدخلنا السجن).
ان انتشار مهنة بيع الشاى فى المجتمع جاء نتيجة للظروف الاقتصادية و الاجتماعية المتدهورة التى أصابت السودان باجمعه فى عهد سلطة الانقاذ. التحقيقات التى تمت – على قِلّتها – حول تلك الشريحة من النساء تؤكد ان خروج النساء للبيع فى الأماكن العامة يتم فى العادة اما لاعالة الأسر التى فقدت عائلها و اما لتحسين الوضع المعيشى للأسر الذى اصبح من المستحيل لشخص واحد فى الاسر القيام به، هذا بالاضافة الى العطالة التى طالت كل المجتمع و انعدام فرص العمل و جيوش الخريجين التى لا تجد ما تفعله و التى لا زالت الأسر تقوم باعالتها.
اذن الضرورة وحدها هى التى دفعت قسما من النساء للعمل بتلك المهنة فى ظروف صعبة، غير مريحة و طاردة و هن عرضة لجشع تجار الأنقاذ، مضايقات منعدمى الضمير و الأخلاق و تحت رحمة المحليات التى أصبحت "تَهَنْبِت الماشى و الغاشى".
ان المحاولات المستمرة لابتزاز بائعات الشاى و مشاركتهن الرزق من قبل التجار المحميين بالسلطة تؤكد ان الرأسمالية الطفيلية الأسلامية لا أخلاق لها و لا ضمير فهي فى سعيها للربح الساهل و السريع عديم الجهد لا تتورع من نزع لقمة العيش من أفواه أطفال المساكين التى تسعى أسرهم بشتى الطرق لتوفير لقمة عيش شريفة.
فى تقديري ان ذلك السلوك يتسق تماما و مناهج رجال هذه السلطة فى الربح السريع أينما وجد و بكل الطرق فهم قد:
استوردوا التقاوى الفاسدة لمشروع الجزيرة مما أفسد الموسم الزراعى.
نهبوا أموال الحج، الاوقاف و حتى الاموال التى خصصت للاموات "منظمة حسن الخاتمة" !
استوردوا مادة "بلومر" فاسدة لتنقية المياه معرضين أرواح الآلاف للخطر
يسعون الآن لبيع المستشفيات العامة، مستشفى العيون و مستسفى الخرطوم
و حتى رمال مدينة "بارا" لم تسلم من جشعهم فهم يسعون الآن لبيعها !
اننا نشاهد قبضايات فى ثوب جديد، ما يؤكد تفوقهم على عصابات المافيا انهم يستخدمون سلطة الدولة بشكل مباشر لنهب المواطن و فرض الأتاوات.، الرفض يعنى فقدان مورد الرزق أو كما أضافت سمية بائعة الشاى (الخوف من الدخول السجن)!
تعليقات
إرسال تعليق