جعفر النميري سيرة رجل ونظام

ولد جعفر نميرى عام 1930 في أسرة كادحة في أحد الأحياء الشعبية في مدينة أم درمان يدعى ود نوباوي.

تخرج عام 1952 من الكلية الحربية في السودان، وحصل على الماجستير في العلوم العسكرية من الولايات المتحدة الاميركية.

وصل نميري إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري في 25 مايو/ أيار 1969 فأعاد السودان لتكون حجر الزاوية في دعم القضايا القومية العربية إثر نكسة حزيران/يونيو 1967 ووضع السودان بجيشه وشعبه دفاعاً عن الأمة العربية إلى جانب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يخوض آنئذٍ أشرس المعارك مع العدو الصهيوني في إطار ما عُرف باسم حرب الاستنزاف التي أعادت للجندي العربي عموماً والجندي المصري خصوصاً، ثقته بنفسه وبقيادته، وهي التي وفّرت الشروط الضرورية للنصر الذي حققه الجيش المصري في حرب 1973.

كما كان لانتصار حركة جعفر النميري في السودان الأثر الإيجابي على انتصار الحركة القومية التي قادها الضباط الأحرار في ليبيا وتزعمها العقيد معمر القذافي، فألغى الملكية وأعلن "الجمهورية العربية الليبية" لتحمي خاصرة مصر الغربية.

أثّرت التطورات التي حصلت في مصر بعد اغتيال القائد جمال عبد الناصر عام 1970 سلبياً على نظام الحكم في السودان خاصة بعد اجراءات 15 مايو 1971 في مصر والتي أدّت إلى انتقال مصر تدريجياً إلى الحضن الأميركي، فقد انشقّ التحالف من حوله ما بين داعٍ للسير في ركب خيارات أنور السادات، وآخرين لمعارضة هذه الخيارات ودعوا إلى تعميق العلاقة مع الاتحاد السوفياتي وكتلة الدول الإشتراكية.

وفي حين تبنى جعفر النميري خيار المحافظة على العلاقة مع مصر ودخل معها في مشروع اتحادي يضم مصر والسودان وسوريا تحت اسم "اتحاد الجمهوريات العربية"، شعر التيار الإشتراكي في السودان بأن مصيره لن يكون أفضل من مصير التيار الإشتراكي في مصر الذي تمّت تصفيته على أيدي أنور السادات، فبادر قادة هذا التيار إلى الانقلاب على النميري، ولكن هذا الانقلاب لم يعش لأكثر من 48 ساعة حيث تمّ القضاء على قياداته في تدخل مباشر من المخابرات الأميركية والبريطانية ودعمٍ علني من أنور السادات الذي قال يومها في خطاب شهير بعد القضاء على الانقلاب: "لقد أثبتنا أن لاتحاد الجمهوريات انياباً"، وجرت محاكمات ميدانية لقادة الحركة النقابية السودانية وقادة الحزب الشيوعي السوداني ولعدد كبير من الضباط الكبار، وتمّ إعدامهم بدم بارد.

بعد هذا التطوّر الذي أدّى إلى تصفية القوى الحيّة في السلطة والمجتمع، وقع فراغ كبير في السلطة جرى إملاؤه بدعم من المخابرات المصرية وبدأ النظام يأخذ الطابع الدكتاتوري والتعامل الفظّ مع الناس، وبدأ تقييد الحريات السياسية والنقابية، وأخذت الأوضاع الاقتصادية تتردّى بسبب من استشراء الفساد في الإدارات العامة الذي أدّى إلى تدمير المشاريع التنموية التي كان قد تولاّها القطاع العام.

حاول النميري تهدئة النقمة أواخر السبعينات بالحصول على دعم من القوى الإسلامية في البلاد، فأصدر المراسيم والقرارات التي فرضت تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكنها كانت كثيرة التشوّه لعدة أسباب منها صعوبة تطبيق هذه الشريعة على غير المسلمين في بلد يشكل فيه غير المسلمين أكثر من ثلث السكان، وأيضاً بسبب التسرّع وعدم الجديّة فيها.

استمر على رأس السلطة حتى 6 ابريل/ نيسان 1985حيث أطاحت به حركة انقلابية قام بها ضباط الجيش، فلجأ سياسياً إلى مصر حيث بقي فيها إلى عام 2000 حيث عاد إلى السودان.

يختلف انصار النميري ومعارضوه فى وصفه، فمنهم من يرى انه سياسى محنك ومفجر الثورة التنموية فى البلاد و آخرون يعتبرونه مجرد دكتاتور اطاح بنظام حكم ديموقراطى شعبى.

يقول بروفيسور على شمو وزير الاعلام فى حكومة النميرى إن ابرز انجازاته تمثلت فى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التى تحققت فى فترة حكمه.

هذا بالاضافة الى بسط السلام فى الجنوب لعقد من الزمان بعد توقيعه لاتفاقية السلام فى اديس ابابا عام 1971 مع متمردي جنوب السودان.

ويضيف بروفيسور شمو بان الاستقرار الذى شهدته البلاد ادى الى احداث تحول كبير بالنسبة لقضية الجنوب، بالاضافة الى الانجازات التى تحققت على مستوى الحكم الذى تدرج الى ان وصلت السلطات الى الاقاليم و اصبح الحكم اقليمياً.

لكن المحلل السياسى السودانى طلحة جبريل يرى ان هذه الانجازات لا يمكن قياسُها بما لحق بالسودان من ضرر بسبب فترة حكم النميري.

يقول جبريل إن السودان منذ دخول البريطانيين لم تعلن فيه المجاعة رسمياً الا في عهد النميري.

واضاف بان نميرى هو الذى اوصل البلاد الى مرحلة الانهيار الكامل وان المديونية العالية التى تركها النميرى وراءه كانت سبباً من اسباب فشل الديموقراطية الثالثة التى جاءت بعد الانتفاضة الشعبية عام 1985.

ويمضى طلحة جبريل قائلاً: إن النميري ترك السودان تنهشه الحرب الاهلية، كما ان 92 فى المائة من خريجى الجامعات والكفاءات هاجروا الى خارج السودان اثناء عهد النميرى.

ولكن يبقى أن نقول كلمة للتاريخ، فعلى الرغم مما انتهى عليه نظام الحكم تحت قيادة جعفر النميري، إلاّ أن الرجل كان ضحية الانقلاب الذي أصاب النظام السياسي العربي منذ دخول مصر تحت العباءة الأميركية الذي مهد لدخول هذا النظام برمّته في الحقبة السعودية التي كانت بدورها، أي الحقبة السعودية، التمهيد لدخول النظام السياسي العربي في بوتقة الحقبة اليهودية.

    جرت في العاصمة السودانية الخرطوم اليوم الاحد (31 أيار/مايو 2009) مراسم تشييع جنازة الرئيس السوداني الاسبق جعفر محمد نميري الذي توفى يوم السبت عن 79 عاماً قضى منها زهاء ستة عشر عاماً على رأس الحكم في السودان. وذلك بعد سنوات من صراعه مع المرض.

    وقد جرت هذه المراسم ببساطة ملفتة لا أعتقد أن المتوفى كان يرغب لنفسه بأكثر من ذلك وهو المعروف ببساطته ورفضه لبهارج السلطة والحياة حتى أن معاصريه يتندّرون في كيف كان يفاجئ الناس في الأسواق يتفقّدها ويسأل عن الأسعار ومدى توفّر المواد في المتاجر ويقوم بزيارات مفاجئة للإدارت الرسمية والمستشفيات والمدارس والجامعات للإطلاع بنفسه على أوضاعها، كل ذلك دون أن يكون حوله من الحراسات والمواكب والإجراءات الأمنية التي ترافق عادة المسؤولين في بلادنا العربية كافة.

    الرجل رحل إلى رحمة ربّه، وأعتقد أن ما من سوداني عرفه أو عرف عنه ما يكفي، إلاّ وسيعيد حساباته ويترحّم عليه، حتى أولئك الذين شاركوا في التحرّكات التي أدت إلى عزله عن السلطة عام 1985.

تعليقات

المشاركات الشائعة